ُولد تيودور (بنيامين زئيف) هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة في بودابست في العام 1860, وتلقى تعليمه بروح حركة التنوير اليهودية الألمانية حيث بلور موقفه الإيجابي من الثقافة العلمانية. شدد على أن جوهر القضية اليهودية ليس فرديا وإنما قوميآ, نظم هرتزل وترأس المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و-31 أغسطس آب 1897 والذي شكل أول اجتماع دولي لليهود ينعقد على أساس وطني.
تيودور هرتزل والحركة الصهيونية
"في بازل وضعت الأسس لإقامة الدولة اليهودية...وربما خلال خمس سنوات, وبلا شك بعد خمسين عاما, سيدرك الجميع ذلك"
ُولد تيودور (بنيامين زئيف) هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة في بودابست في العام 1860, وتلقى تعليمه بروح حركة التنوير اليهودية الألمانية حيث بلور موقفه الإيجابي من الثقافة العلمانية. في العام 1878 انتقلت عائلة هرتزل إلى فيينا. وفي العام 1884 حصل على درجة الدكتوراة في مجال القانون من جامعة فيينا. وأصبح هرتزل في ذلك الحين كاتبا روائيا وكاتبا مسرحيا وصحافيا حيث عمل مراسلا في باريس للصحيفة الليبرالية البارزة انذاك"الصحافة الحرة الجديدة" "
خلال تلقيه الدراسة في جامعة فيينا عام 1882 وقف تيودور هرتزل لأول مرة عن كثب على ظاهرة اللا- سامية الأمر الذي انعكس كثيرا على سيرة حياته وعلى مصير اليهود في القرن العشرين. وفي وقت لاحق خلال فترة إقامته في باريس تعرض هرتزل شخصيا لظاهرة معاداة السامية. وكان هرتزل في ذلك الوقت يعتبر المشكلة اليهودية قضية اجتماعية. وفي العام 1894 انتهى من كتابة مسرحية تحمل اسم : الغيتو ( حي اليهود) والتي عبر من خلالها رفضه لفكرة اندماج اليهود في الشعوب الأخرى أو اعتناقهم لديانات جديدة حلأ للقضية اليهودية. هرتزل كان يأمل في أن تؤدي مسرحية "غيتو" إلى إثارة نقاش مفتوح وبالتالي إلى حل يعتمد على التسامح والاحترام المتبادلين بين المسيحيين واليهود.
في العام 1894 وجه القضاء الفرنسي بصورة ليس لها ما يبررها تهمة الخيانة إلى النقيب ألفريد دريفوس (ألفريد دريفوس) الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي, وذلك على خلفية أجواء اللا- سامية التي كانت سائدة في تلك الفترة. هرتزل الذي شاهد الجماهير في تلك الفترة وهم يصرخون: "الموت لليهود" استنتج أن الحل الوحيد او الطريقة الوحيدة لمواجهة الحملة اللا- سامية تتمثل بهجرة ضخمة لليهود إلى أرض يمكن لهم أن يعتبروها ملكا لهم. وهكذا أصبحت قضية دريفوس أحد العوامل الحاسمة في نشوء الصهيونية السياسية.
تيودور هرتزل استنتج أن معادة السامية عامل ثابت في المجتمع الإنساني لا يمكن لفكرة اندماج (اليهود) أن تحله. على هذا الأساس كان هرتزل يدرس فكرة السيادة اليهودية, وعلى الرغم من تعرضه لسخرية بعض القادة اليهود, نشر في العام 1896 الكتيب الذي يحمل العنوان "الدولة اليهودية" , "دولة اليهود". هرتزل شدد على أن جوهر القضية اليهودية ليس فرديا وإنما قوميآ وصرح بأن الطريقة الوحيدة التي تمكّن اليهود من الحصول على القبول الدولي تتمثل في عدم استمرار كونهم ظاهرة قومية استثنائية. وقال إن اليهود شعب واحد يمكن تحويل مآزقه الى قوة إيجابية وذلك من خلال إقامة دولة يهودية بموافقة القوى العظمى. هرتزل كان ينظر الى القضية اليهودية كقضية سياسية دولية يجب التعامل معها في سياق السياسة الدولية.
وقدم تيودور هرتزل خطة عملية لجمع الأموال من اليهود في أنحاء العالم وذلك بواسطة منظمة تعمل من أجل تحقيق هذا الغرض ( وهذه المنظمة عندما تم تأسيسها سميت المنظمة الصهيونية). وتصور هرتزل الدولة اليهودية العتيدة كدولة اجتماعية نموذجية مستندًا في أفكاره إلى النموذج الأوروبي الذي كان سائدا في تلك الفترة والذي كان أساسه مجتمعا متنورا معاصرأ. مثل هذه الدولة ستكون محايدة ومحبة للسلام وعلمانية.

إن الأفكار التي عرضها تيودور هرتزل(مؤسس الصهيونية) لاقت حماس الجماهير اليهودية في أوروبا الشرقية, رغم أن القادة اليهود كانوا أقل تحمسا إزاء تلك الأفكار.
ومع ذلك نظم هرتزل وترأس المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و-31 أغسطس آب 1897 والذي شكل أول اجتماع دولي لليهود ينعقد على أساس وطني وعلماني. وخلال المؤتمر تبنى الممثلون اليهود "خطة بازل" التي حددت أهداف الحركة الصهيونية. كما أعلن الممثلون في المؤتمر أن الصهيونية تستهدف إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين على أساس القانون العام. وتم خلال المؤتمر تأسيس المنظمة الصهيونية ذراعا سياسيا للشعب اليهودي, وتم انتخاب هرتزل اول رئيس له.
وفي العام ذاته أسّس هرتصل المجلة الأسبوعية الصهيونية داي فيلت, وبدأ نشاطاته من أجل الحصول على وثيقة رسمية تسمح بتوطين اليهود في أرض إسرائي
وفي أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول بدأت الحركة الصهيونية تلتئم سنويا في إطار المؤتمر الصهيوني الدولي. في العام 1936 نقل مركز الحركة الصهيونية إلى أورشليم القدس. في العام 1902 نشر هرتصل كتابه "الأرض القديمة الجديدة" الأرض الجديدة القديمة الذي وصف فيه الدولة اليهودية العتيدة كالمجتمع الأمثل. هرتزل تصور مجتمعا جديدا ينشأ في أرض إسرائيل على أساس تعاوني يستفيد من العلوم والتكنولوجيا لتطوير الدولة. وشمل هرتصل في كتابه أفكارا مفصلة حول رؤيته للدولة العتيدة من ناحية الهيكل السياسي والهجرة وجمع الأموال والعلاقات الدبلوماسية والقوانين الاجتماعية والعلاقة بين الدين ولدولة.
في كتابه الأرض الجديدة القديمة وصف هرتزل الدولة اليهودية كمجتمع تعددي وتقدمي, "النور الذي تهتدي به جميع الشعوب". وكان لهذا الكتاب صدى كبير جدًا لدى اليهود في تلك الفترة وأصبح رمزا للرؤية الصهيونية في أرض إسرائيل.
تيودور هرتزل شدد على ضرورة الحصول على الدعم والتشجيع من القوى العظمى للأهداف الوطنية للشعب اليهودي. لهذا الغرض قام هرتزل في العام 1898 بجولة في إسرائيل واسطنبول للقاء القيصر الألماني فيلهلم الثاني والسلطان العثماني. وعندما باءت جهوده بالفشل توجه هرتزل إلى بريطانيا حيث التقى جوزيف تشامبرلين وزير المستعمرات البريطاني وشخصيات أخرى. ولكن الاقتراح الحقيقي الوحيد الذي تلقاه من المسؤولين البريطانيين تمثل في فكرة إنشاء منطقة حكم ذاتي لليهود في شرق إفريقيا, في اوغندا.
زيارة هرتزل لروسيا في العام 1903 كانت فرصة له للوقوف عن كثب على مذبحة كيشينييف والظروف الصعبة التي كان يعيشها اليهود في روسيا آنذاك. وكان لتلك الزيارة تأثير كبير على هرتصل. وفي العام ذاته عرض على المؤتمر الصهيوني السادس المبادرة البريطانية لإنشاء منطقة حكم ذاتي لليهود في أوغندا ملجأً أو ملاذا ليهود روسيا الذين كانوا يتعرضون لخطر حقيقي. ورغم محاولات هرتزل لإقناع الحضور بأن المبادرة البريطانية لن تؤثر سلبًا على الهدف الرئيسي الذي حددته لها الحركة الصهيونية وهو إنشاء كيان يهودي في أرض إسرائيل, إلا أن المبادرة أثارت عاصفة في المؤتمر وكادت أن تقود إلى انقسامات وانشقاقات داخل الحركة الصهيونية. ولكن في نهاية المطاف رفضت الحركة الصهيونية خطة أوغندا في مؤتمرها السابع في العام 1905.
هرتزل توفي في العام 1904 بسبب التهاب رئوي بالإضافة إلى الإرهاق الذي كان يعاني منه نتيجة الجهود الحثيثة التي بذلها من أجل الصهيونية.
ولكنه نجح قبل رحيله في ترسيخ مكانة الحركة الصهيونية على الخارطة السياسية العالمية. وفي العام 1949 نُقل رفات هرتزل إلى إسرائيل حيث تم دفنه في الجبل الذي أُطلق عليه اسم " جبل هرتصل" في أورشليم القدس.
هرتزل (مؤسس الصهيونية) هو الذي ابتكر عبارة "إذا صدق عزمكم فهي ليست اسطورة" التي تحولت إلى شعار الحركة الصهيوية. ورغم أن احدا في تلك الفترة لم يكن يتصور ذلك, غير ان الحركة الصهيونية وبعد مرور خمسين عاما فقط على المؤتمر الصهيوني الأول نجحت في إقامة دولة إسرائيل المستقلة.
المؤتمر الصهيوني : من الشتات إلى إسرائيل